بسم الله الرحمن الرحيم - زيورخ في أكتوبر ٧٩٩١
الصورة السيئة للعرب في الولايات المتحدة الأمريكية
بقلم الكاتب السويسري: الدكتور رتو بيت
ترجمه عن الألمانية وقدّم له: ثابت عيد
تقديم المترجم
»صورة العرب السيئة في الولايات المتحدة الأمريكية«، هذا هو موضوع البحث التالي الذي كتبه الزميل السويسري الدكتور رتو بيت. وهو مقال في غاية الأهمية نظرا لما يتضمنه من معلومات مذهلة، وحقائق مؤلمة، في هذا الباب. والحمد لله أن كاتبه مثقف سويسري مقيم في أمريكا، حتى لا يخرج علينا شاطر أو حاذق - وما أكثرهم اليوم - فيتهمنا بتحريف الحقائق، وتشويه الأمور، أو كما يحلو لبعضهم القول بأن هذه »نظرة سوداوية«،وتلك »نظرة تشاؤمية«. وليس هؤلاء المتواكلون إلا من أصحاب المذهب التكاسلي المعروف، القائل بإنه ليس في الإمكان أحسن مما كان.
والمقال - المكتوب أصلا باللغة الألمانية - يوضح للقارئ الكثير من الأمور عن سياسة أمريكا تجاه العرب، وصورة العرب في عقول قطاعات مختلفة من الشعب الأمريكي. وقبل أن أفسح المجال أمام الدكتور رتو، ليتناول هذا الموضوع، أود أن أسجل بعض الملاحظات:
أولا: ليس يسعى مترجم هذا المقال، وكاتب هذه السطور، إلى مهاجمة الولايات المتحدة الأمريكية، بل إن هدفي هو توضيح مهاجمتها لنا، وتجريحها لثقافتنا، وشتمها لجنسنا، وتعريضها بتاريخنا، واتخاذها موقفا عدائيا تجاه قضيتنا.
ثانيا: من عجائب الأمور وغرائبها أن يهود أمريكا يساعدون اسرائيل، بينما نجد أن عرب أمريكا لا يستطيعون مساعدة أنفسهم، حيث يعتمدون على مساعدات الدول العربية لهم.
ثالثا: أهم ما سيخرج به القارئ من هذا المقال هو سؤال واحد: كيف قبل شيوخ البترول هذا الوضع المخزي: أن يستغلهم الأمريكيون شر استغلال، ثم تشتمهم وسائل الإعلام الأمريكية، وتهزأ بهم؟
رابعا: أود في هذه المناسبة أن أعبر عن تقديري لمركز دراسات الوحدة العربية لما يقوم به من جهود تنويرية متمثلة في أبحاثه الممتازة، ودراساته المحترمة. وقد نشر المركز حتى الآن ثلاثة كتب قيمة عن هذا الموضوع، أعني»صورة العرب في الغرب«، هي كما يلي:
- »صورة العرب في صحافة ألمانيا الإتحادية«، للدكتور سامي مسلم، بيروت ٥٨٩١.
- »صورة العرب في عقول الأمريكيين«، للدكتور ميخائيل سليمان، ترجمة عطا عبد الوهاب، بيروت ٧٨٩١.
- »صورة العرب في الصحافة البريطانية«، للدكتور حلمي خضر، ترجمة عطا عبد الوهاب، بيروت ٨٨٩١.
خامسا: سيرى القارئ تعريف لفظ »عربي«، كما أورده أحد أهم القواميس الأمريكية، كما يلي: »متشرد، صايع، عاطل، إنسان بلا هدف، متسكع، ... مساوم، غشاش ... نصاب«.
وعندما فوجئ بهذا الوضع المهين شقيق صديقنا د. اسماعيل أمين، الدكتور عمر أمين المهاجر المصري في الولايات المتحدة الأمريكية، بعث إلى ناشر القاموس يطالبه بحذف هذه الأوصاف العنصرية، فإذا بناشر القاموسيصر على هذه الجهالات، ويدفع الحق بالباطل، لعنه الله(١). هذه حادثة نهديها إلى عرب الجزيرة على أمل أن يُقللوا من استهلاكهم، وانهماكهم على متع الحياة، دون أن يفكروا في إضافة الجديد إلى الإنسانية، أو أنيساهموا في تطوير العلوم. والآن فلنرَ ما كتبه الدكتور رتو بيت:
الصورة السيئة للعرب في الولايات المتحدة الأمريكية
بقلم الكاتب السويسري: الدكتور رتو بيت - ترجمه عن الألمانية: ثابت عيد
عندما أعلنت صحيفة »واشنطن بوست« في عام ٤٨٩١ أن مرشح الرئاسة الديمقراطي جيسي جاكسون قد استخدم تعبير "Hymie" لوصف اليهود، تفجرت في الصحافة الأمريكية عاصفة من الاستياء والغضب(لفظ "Hymie" يستخدمه زنوج أمريكا في أحيائهم الفقيرة للتعبير عن احتقارهم لليهود، والحط من شأنهم. وهو لفظ مشتق أصلا من اسم "Hyman" الذي كان يحمله بعض أصحاب العقارات والمحلات من اليهود الذين كانوا يتعاملون مع السود).
لقد أسرع معلقو وكالات الأنباء، ومحررو الصحف الأمريكية قائلين إن هذه الألفاظ المستخدمة للتقليل من شأن شعب أو جنس بعينه، هي ألفاظ محرم استخدامها في أمريكا. ذلك أن التحيز لجنس أو شعب بعينه ليس له مكان في الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر بوتقة للأجناس المختلفة، والشعوب المتباينة.
بيد أنه لو كان جيسي جاكسون قد استخدم لفظا مشابها للتقليل من قيمة العرب، وتحقير شأنهم، لكان من المحتمل جدا أن تمر هذه الحادثة بسلام، وبدون قيام أي موجة من الاستياء العام.
ذلك أن العرب المقيمين في الولايات المتحدة الأمريكية يعتبرون الأقلية الوحيدة التي تقوم وسائل الإعلام الأمريكية، والسينما، والكاريكاتور، بعرضها عرضا سلبيا، وتصويرها تصويرا مشوها يتسم بالعداء والاحتقار، وذلك بصورة يومية.
ولو كانت وسائل الإعلام، وأغاني البوب الأمريكية قد وصمت أقلية أخرى من أصحاب الجنسيات المختلفة المقيمين في الولايات المتحدة بهذه الصورة المشوهة، لأثارت هذه الأقلية عاصفة من الغضب والاحتجاج،ولأجبرت وسائل الإعلام الأمريكية على تصحيح هذه الصورة المشوهة. أما الأمريكيون العرب، فعلى الرغم من أن عددهم اليوم أكثر من مليوني ونصف نسمة، إلا أنهم وحتى عهد قريب لم يستنكروا، أو يحتجوا على الطريقة التقليدية المشوهة التي تصورهم بها الصحافة، والتليفزيون، وأغاني البوب الأمريكية.
ذلك أن عرب الولايات المتحدة الأمريكية لم تجتمع كلمتهم، إلا منذ فترة قصيرة، حيث قرروا أخيرا أن يخوضوا معركة تصحيح صورة العرب المشوهة السائدة في الولايات المتحدة الأمريكية، وما يترتب عليها من آثار على السياسة الأمريكية. وليس هناك من شك أن هذه المعركة لن تكون سهلة المخاض، ممهدة الدرب. والعلة في ذلك تعود إلى تغلغل الصورة التقليدية المشوهة للعرب، وانتشارها في جميع فروع الثقافة الشعبية الأمريكية.
إن المؤلفات العلمية المشهورة كقاموس "Merriam-Webster-Thesaurus" على سبيل المثال، لم تتخلص من هذا التحيز ضد العرب، وعرض صورة مشوهة لهم. فيذكر هذا القاموس المعاني التالية كمترادفات للفظ »عربي«: »متشرد، صايع، عاطل، إنسان بلا هدف، متسكع ... إلخ«، ولكن أيضا: »بائع متجول، مساوم، غشاش، بائع روبابيكيا، مُـفاصل، نصّاب، قطاع رقاب«. وإذا بحثنا في الطبعات القديمة لنفس هذا القاموس عن معنى كلمة يهودي "Jew"، سنجد مترادفات سلبية متشابهة، ولكنه قد تم حذفها من الطبعات الأخيرة. لقد رفض ناشر هذا القاموس الأمريكي أن يفعل نفس الشئ مع العرب، ويحذف هذه الألفاظ البذيئة التي وسم العرب بها. هذا على الرغم من مطالبة العرب إياه بذلك.
إن هذه التعريفات التي يقدمها ذلك القاموس للفظ »عربي« لهي خير دليل على صورة العرب المبتذلة المشوهة التي تسود الثقافة الشعبية الأمريكية. ويجد المرء هذه الصورة السلبية المشوهة للعرب في نصوص أغانيموسيقى الروك، وغيرها من أنواع الموسيقى، وكذلك في النكت الشعبية. (وقد أصدرت جامعة كاليفورنيا دراسة تحتوي على مجموعة شيقة من النكت والنوادر المرتبة حسب الجنسيات والموضوعات المختلفة. أما النكت الخاصة بالعرب، فتنسبهم إلى الغباء والجبن، وتصفهم بالقذارة والفظاعة). ولكننا نود هنا أن نركز على أربعة فروع رئيسية لوسائل الإعلام، وهي السينما، والتليفزيون، والكاريكاتور السياسي، والقصص الهزلية المصورة المسماة بالـ : "comics". وهذه الفروع مجتمعة تؤثر تأثيرا حاسما في تكوين الوعي الثقافي، والإدراك السياسي للشعب الأمريكي.
١- كبش الفداء في أزمة النفط
يعتبر الكاريكاتور السياسي من التقاليد العريقة في الصحافة الأمريكية. فتنشر جميع الصحف اليومية تقريبا رسما كاريكاتوريا واحدا على الأقل يوميا، وفي المعتاد يكون هذا الرسم الكاريكاتوري مصاحبا للمقال الافتتاحيللصحيفة، موضحا له، أو يكون مخصصا لصفحة التعليقات الصحفية. ولكي تكون هذه الرسومات الكاريكاتورية ناجحة، فيجب أن تكون مبسطة، وموجزة، وساخرة، ومصحوبة بقول داحض. بيد أن خطر انزلاق هذه الرسومات إلى خطأ التشويه والتحريف قائم دائما. أما الصورة التي يرسمها رسامو الكاريكاتور السياسي للعرب في الصحافة الأمريكية، فغالبا ما يسيطر عليها عنصرا التحريف والتشويه.
ويمكننا أن نأخذ الكاريكاتور الذي رسمه الرسام المشهور اوليفانت كنموذج لرسومات كاريكاتورية كثيرة تشوه صورة العرب، وتحط من شأنهم. لقد ظهر هذا الرسم الكاريكاتوري في مئات من الصحف الأمريكية سنة٤٧٩١، عندما كانت أزمة النفط في ذروتها. ويُظهر هذا الكاريكاتور مجموعة من العرب الملتحين ذوي الأجسام البدينة، والأنوف المعقوفة، مع وجود فجوات بين أسنانهم، يجلسون على وسائد سميكة بملابسهم البدوية على هيئة دائرة. وتقوم فتاة شابة ترتدي فستانا قصيرا بتقديم صينية لهم عليها خنزير مشوي صغير. ويوضح هذا الرسم الكاريكاتوري أحد العرب الجالسين وهو يرمي بقطعة من عظام الخنزير بعد أن قضم ما علق بها من لحم إلى طفل أسود، نحيل، يبدو الجوع عليه، كرمز للقارة السوداء أفريقيا.
إن ما يريد أن يُعبر عنه هذا الكاريكاتور هو أن العرب عندما قاموا برفع أسعار النفط في السبعينات، فإنهم قد سببوا أضرارا كثيرة لدول العالم الثالث، وان المساعدات التي يقدمونها إلى هذه الدول ليست كافية.
وتمثل رسومات الفـنان اوليفانت نموذجا مثاليا لاتجاه التعليقات السياسية في الولايات المتحدة في حقبة السبعينات. لقد كان استياء الأمريكيين شديدا من الارتفاع الكبير لأسعار البترول، ومن الطوابير الطويلة أمام محطات البنزين. ولهذا السبب وجدت نظريات كبش الفداء استحسانا وقبولا لديهم. وكان العرب هم كبش الفداء لهذه الأزمة. وهكذا بدأ رسامو الكاريكاتور في الصحف الأمريكية حملتهم البغيضة للطعن في العرب. ويعتبر كاريكاتور الفنان اوليفانت أحسن مثال لذلك، كما أن ما تضمنه هذا الرسم من تشويه وتحريف لصورة العرب، لهو خير تعبير عن اتجاهات الإعلام الأمريكي.
بيد أن الفنان اوليفانت قد تغافل مجموعة كاملة من الحقائق الهامة: أولى هذه الحقائق هي أن شركات البترول الأمريكية العملاقة كانت قد شجعت دول الأوبك على رفع أسعار البترول، ثم قامت بدورها باستغلال هذه الأزمة استغلالا فاحشا، حيث أنها حققت أرباحا قياسية. ثانيا: إن عددا من الدول الأعضاء في منظمة الأوبك ليست عربية. ثالثا: كان شاه إيران، الذي لم يكن عربيا، بل حليفا لأمريكا، هو المحرك الرئيسي لرفع أسعار البترول. رابعا: إن أكبر الدول العربية من الناحية السكانية لا يوجد بها بترول، أو يوجد، ولكن بكميات قليلة فقط. خامسا: إن المسلمين لا يأكلون لحم الخنزير. سادسا: إن المساعدات الخارجية التي قدمتها السعودية، قياسا بالدخل القومي لها في ذلك الوقت، قد بلغت عشرة أمثال ما قدمته الولايات المتحدة الأمريكية.
إن مثل هذه الرسومات الكاريكاتورية التي تقدم صورة مشوهة ومعادية للعرب، ومحقرة لهم بشكل مبتذل، لا تزال حتى اليوم شيئا عاديا جدا في الصحافة الأمريكية. فصورة العرب التي تقدمها الصحافة الأمريكية غالبا ما تكون سلبية، وكثيرا ما تكون عنصرية.
وأحيانا تصور بعض الرسومات الكاريكاتورية الاعتداء على العرب، وقتلهم كنوع من الشهامة والفضيلة، مثل ذلك الرسم الذي يظهر فيه عربي بملابسه البدوية، وقد تم إشعال النار فيه، كنوع من الحطب، حيث يقول التعليق المصاحب للرسم: »وفروا البترول، واحرقوا العرب«. وتسير الرسومات الأخرى في نفس هذا الاتجاه.
إن هذه الرسومات الكاريكاتورية المعادية للعرب تشبه إلى حد كبير الرسومات الكاريكاتورية المعادية لليهود في أوروبا في فترة ما بين الحربين. وفي كلتا الحالتين كان على شعب بعينه أن يقع ضحية، ويتحول إلى كبش فداء للمشاكل الاقتصادية والسياسية المتشابكة.
٢- بـُعبع الأطفال
تنشر الصحف الأمريكية يوميا ما يُسمى بالـ:"comic strips"، وهي عبارة عن مجموعة من الرسومات المرفقة بتعليقات هزلية ساخرة عن مغامرات، أو موضوعات مضحكة. كذلك يوجد ما يُسمى بالـ: "comicbooks"، وهي كتب أو مجلات ملونة تحتوي على قصص مصورة متعاقبة. وتتمتع كل من هذه الرسومات والكتب (أو المجلات) بشهرة واسعة بين الأمريكيين، خاصة الأطفال منهم، ولكن أيضا بين الكثير من الكبار، بل إن الكثير من الأمريكيين لا يقرؤون شيئا آخر غير هذه القصص الهزلية المصورة )الـ (comic. وتؤثر هذه القصص الهزلية المصورة على المواطن الأمريكي في تكوين صورته عن العالم الخارجي.
وغالبا ما تُظهر هذه القصص الهزلية العربَ بصورة أوغاد، جبناء، بدو، شهوانيين، شيوخ قبائل متوحشين، مساومين مكارين، وفي معظم الأحيان تكون أنوفهم معقوفة، ولحياهم غير مهندمة.
ففي إحدى قصص المجموعة المسماة بـ: "Little Orphan Annie" يظهر على سبيل المثال رجل عربي ذو أنف معقوف، وملامح شريرة، اسمه Bahd-Simel (من صفة bad للإيحاء أنه خبيث، وسئ الأخلاق). ويقوم هذا العربي باختطاف البطلة Annie ويعلن أنه لن يُفرج عنها، إلا في مقابل فدية من المال.
أما مسلسل القصص الهزلية المعروف بـ:"Barbara Cortland's Romances" ، وهي قصص تنشر في كثير من الصحف الأمريكية يوم الأحد من كل أسبوع، فتظهر في إحدى قصصها فتاة انجليزية شابة تذهب إلى سوريا بحرا للبحث عن ابنة عمتها المفقودة. وفي السفينة ترى هذه الانجليزية كيف يقوم سائس عربي بتعذيب أحد الخيول، ثم يقوم بعد ذلك أحد شيوخ البدو العرب باختطافها، ويحاول إجبارها على الزواج منه. وتظهر هذه الصورة السلبية والمشوهة للعرب بصورة مستمرة في مسلسلات القصص الهزلية الأخرى.
وقد نشرت المسلسلة المشهورة المسماة بـ:"Brenda Starr" في سنة ٣٨٩١ قصة هزلية لرجلين عربيين لهما ملامح شريرة. وكانت الرسالة التي أراد رسام هذه القصة أن يوصلها للقراء من النوع العنصري: فليس العرب قوما مختلفين عن الأمريكيين فحسب، بل إنهم أكثر من ذلك أوغاد، متهالكون على المال، يمتلكون آبار البترول، وهم تجار أنذال، أو إرهابيون فلسطينيون.
ويشمل الاتجاه المعادي للعرب كتب ومجلات القصص الهزلية )الـ (comics، فتظهر على سبيل المثال الكلبة الوفية المشهورة في الأفلام الأمريكية، والمعروفة بـ »لاسي« في إحدى القصص المعادية بوضوح للعرب في سلسلة»الشيخ البخيل«، حيث يقوم رجل عربي في ثياب بدوية - ويبدو من ملامحه أنه منافق غير مخلص - بمحاولة قتل الكلبة الوفية لاسي.
أو الطائر الماهر المعروف بنقار الخشب الذي يظهر في أحد كتب القصص الهزلية التي صدرت مؤخرا، حيث يقوم هو وأصدقاؤه بسحق جيش وحشي من العرب الذين يظهرون بصورة همج أوغاد في مملكة أسطورية اسمها تورابيا )من لفظ (Arabia
وليس مستغربا أن يجد المرء مثل هذا القذف الموجه ضد العرب في كتب القصص الهزلية، المتواضعة المستوى، إذ أن هذا الاتجاه المعادي للعرب موجود في نصوص أخرى رفيعة المستوى قد كتبت خصيصا للتلامذة المتفوقين. ففي المرجع الموثوق به والمسمى: "Oxford Children's Reference Library" يقرأ المرء على سبيل المثال في المجلد الخاص بالعالم العربي كإجابة على السؤال: »من هو العربي؟«، ما يلي:
»هو صاحب دكان مكار ... يظهر فجأة في دكانه لكي يُقنع عميلا غريبا بشراء سجادة بضعف ثمنها الأصلي. هو عامل يرتدي ثيابا رثة، ينام في الشوارع، وسواء أدى عمله اليوم أم غدا، أو لم يقم به على الإطلاق،فالأمر عنده لا يختلف. هو فلاح يركب حماره، ويترك زوجته تسير خلفه في ثيابها السوداء، حاملة ربطة فوق رأسها«.
ويقرأ المرء في نفس المجلد من ذلك المرجع السابق عن المراهقين العرب ما نصه: »لا يترك العرب مراهقيهم يلهون، ويستمتعون بالحياة، بل ينتظر منهم الآباء والأمهات أن يقوموا بمساعدتهم في أعمالهم. وقد يصل الأمر فيبعض المناطق بالعالم العربي إلى الحد الذي يقوم فيه الأخ بقتل أخته المراهقة، إذا شاع عنها سوء السلوك، بل إنه ينال استحسان جيرانه على قيامه بمثل هذا العمل«.
ويواصل هذا المرجع تعريفه للعرب قائلا: »إن العرب يفرحون عندما تلد نساؤهم البنين، ويحزنون عندما يلدن البنات«. ويمتد هذا العرض السلبي والمشوه للعرب إلى الكثير من الكتب المدرسية.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد حدث نوع من الخلط بين الإيرانيين والعرب في دوائر أمريكية واسعة أدت إليه حوادث إيران (= الثورة والرهائن) التي سببت صدمة نفسية شديدة للكثير من الأمريكيين. إن الطلبة العرب فيالولايات المتحدة الأمريكية، بل والأطفال الأمريكيون من أصل عربي، غالبا ما يضطرون، وحتى يومنا هذا، إلى احتمال إهانات، بل واعتداءات الأمريكيين الغاضبين، اعتقادا منهم أنهم إيرانيون، وليسوا عربا.
٣- الشخصيات الفاسقة في الأفلام
إذا استثنينا التليفزيون، فيمكننا أن نعتبر السينما أكثر العوامل تأثيرا على الشعب الأمريكي، وخاصة على الشباب الذين يذهبون إلى السينما أكثر من الكبار. فقد ارتفع على سبيل المثال عدد زوار السينما في أمريكا فيالفترة بين عام ٠٨٩١ وعام ٣٨٩١ بنسبة ٥،٤ في المائة. وتقول الإحصائيات إن ٧٢٪ من الأمريكيين ممن هم فوق ٢١ سنة يذهبون إلى السينما »بصورة متكررة«، بينما نجد أن ٤٢٪ منهم يزورونها »أحيانا« فقط. وتزيد هذه المعدلات عند بعض الطبقات.
ويحظى موضوع العرب باهتمام السينما الأمريكية منذ فترة طويلة. ففي عام ٣٩٨١ قام توماس اديسون بتأسيس أول استديو سينمائي (في العالم) في وست اورانج. وكان من أول الأفلام التي أنتجها فيلم اسمه »رقص الأحجبة السبعة«. وقد أصبح الشرق الأوسط، »الذي يتصف بالغرابة«، منذ ذلك التاريخ موضوعا جذابا للسينما الأمريكية وزوارها.
وكما تقول دراسة قام بها لورانس ميكاليك، فقد بلغ عدد الأفلام الأمريكية المنتجة في السبعينات، والتي عالجت موضوعات تتصل بالعرب سبعة وثمانين فيلما على الأقل. وتنقسم هذه الأفلام إلى نوعين رئيسيين. النوع الأول: يمثل أفلام الميلودراما، والمغامرات العجيبة التي تدور معظم أحداثها في الصحراء. وقد كانت أعمال العنف وفرط الشهوة الجنسية من الصفات الأساسية التي ألصقت بالعرب في هذه الأفلام. فالعرب يقومون باختطاف النساء الأوروبيات الأصل، أو يظهرون في صورة جيش من الفرسان الهمج المتوحشين يهاجم بعض نقاط المراقبة الخاصة بوحدات جيش أجنبي يدافع عن نفسه بطريقة بطولية. أما النوع الثاني من هذه الأفلام،فيمثل تلك الأفلام الكوميدية المضحكة المبتذلة التي يظهر فيها العرب في صورة شخصيات طيبة القلب، ولكنها مخبولة العقل، أو في صورة أشرار معتوهين.
وكما كشفت الدراسة التي قدمها لورانس ميكاليك من جامعة كاليفورنيا، فقد استمر هذا الوضع إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، وحتى يومنا هذا. فالشرق الأوسط مازال يشكل المسرح المفضل للسينما الأمريكية لإنتاج أفلام المغامرات، والحروب، والجاسوسية، حيث يكون البطل فيها رجلا أبيض (من أصل أوروبي) في معظم الأحيان، في حين يظهر العرب في صورة الأخساء، الوضعاء.
ويعتبر فيلم "Flight of the Phoenix" (٦٦٩١) مثالا جيدا لهذا الاتجاه المعادي للعرب في السينما الأمريكية، حيث يقوم الممثل جيمس ستيوارت بقيادة طائرة تسقط على الساحل الليبي، وعندما يقترب اثنان من ركاب هذه الطائرة من قافلة عربية في الصحراء، طلبا للمساعدة، يقوم العرب بقتلهما، بلا سبب واضح.
وحتى فيلم »لورانس العرب« الذي يُقدم في بعض مقتطفاته صورة متعاطفة مع العرب، على الرغم من النزعة السلبية العامة التي يصور بها العرب، فإنه يحتوي على مغالطات تاريخية. فالفيلم يصور العرب على أنهم متخلفون، ومنقسمون على أنفسهم بسبب المنازعات القبلية بينهم. وعندما يدخل العرب دمشق قبل الانجليز (في الفيلم) يتصارعون فيما بينهم، ويظهرون في صورة العاجز عن إدارة المدينة. وبعد ذلك بيومين ينسحب العرب، ويدخل الانجليز المدينة. إن أحداث هذا الفيلم لا تتفق مع وقائع التاريخ، ذلك أن العرب قد حكموا دمشق لمدة عامين كاملين تحت قيادة الملك فيصل، قبل أن ينسحبوا أمام الجيش الفرنسي، وليس الانجليزي.
وقد تطورت منذ الخمسينات من هذا القرن شعبة جديدة في السينما الأمريكية، خاصة بأفلام الشرق الأوسط التي تعالج موضوع النزاع العربي-الاسرائيلي. والواقع أن كل هذه الأفلام منحازة إلى اسرائيل. فدور الاسرائيليين، أو أصدقائهم الأمريكيين، يقوم به ممثلون محبوبون مثل كريك دوجلاس، ويول برينر، وجون واين، وبول نيومان، في حين يبدو العرب في صورة جنود متوحشين، نادرا ما يظهرون بوضوح، أو يراهم المرء من بعيد.
لقد قدمت هوليود النزاع العربي-الاسرائيلي بأسلوب أفلام رعاة البقر المشهورة. ويبدو ذلك واضحا في الأفلام التالية: "Exodus", "Judith", "Cast a Giant Shadow". ويظهر العرب في كل هذه الأفلام في صورة المتوحشين، في حين يظهر الاسرائيليون في صورة قوم طيبي القلب.
كذلك فإن المعالجة السلبية المبتذلة لموضوع العرب تطبع أفلاما أخرى مثل: "Network", "Black Sunday" وكذلك فيلم: "The Black Stallion" وهو الفيلم الذي تم - بالإضافة إلى معالجته السلبية للعرب - تحريف النص الأصلي للكتاب الذي أخذ عنه الفيلم كلية. ومثل الفيلمين:"Rollover", "Paradies"، والكثير غيرهما.
لقد عالج لورانس ميكاليك في دراسته هذه مسألة عما إذا كانت الصورة السلبية المبتذلة للعرب في السينما الأمريكية قد تغيرت في الفترة ما بين ٠٢٩١ و ٠٧٩١، ونوعية هذا التغيير، إن وجد، مستعينا في دراسته بمرجعين أصدرهما معهد السينما الأمريكي عن أفلام العشرينات والستينات. وقد توصل الباحث في دراسته هذه إلى ثلاث نتائج:
أولا: إن الواقع العربي قد تغير في هذه الحقبة، في حين أن صورة العرب في السينما الأمريكية ظلت كما هي. فتمثل الصحراء، وقصور الملوك، ونظام الجواري، وتعدد الزوجات، وشيوخ قبائل البدو، المكونات الرئيسية لصورة العرب في كل من أفلام العشرينات، وأفلام الستينات. صحيح أن معظم الدول العربية كانت حتى العقد الماضي لا تزال تسير على النظام الملكي، ولكن هذه الأنظمة الملكية انحصرت اليوم، وأصبحت محدودة.والصحراء لا يعيش فيها اليوم إلا نسبة ضئيلة من العرب. أما نظام شيوخ البدو الذين يحكمون القبائل، فقد أصبح نادرا. وصارت نظم الحكم في الدول العربية تماثل أنظمة الحكم الغربية، كما تم إلغاء نظام تعدد الزوجات في الكثير من الدول العربية، وصار نظام الجواري نادر الحدوث.
ثانيا: إن طريقة عرض هوليود لمنطقة الشرق الأوسط قد أصبحت أكثر شؤما، ذلك أن الصورة المبتذلة للعرب في أفلام العشرينات قدمتهم على أنهم قوم غرباء أصلا. وعلى الرغم من أن هذه الأفلام كانت لا تخلو من عناصر سلبية مثل الخطف، والسرقة، والغيرة، والإجرام، وحب الانتقام، والعبودية، إلا أن هذه العناصر السلبية تحتل مؤخرة الموضوعات التي عالجتها الأفلام الأمريكية عن العرب في العشرينات من هذا القرن.
أما قائمة الموضوعات التي عالجتها الأفلام الأمريكية عن العرب في حقبة الستينات، فتكشف أن أعمال العنف، كجزء من الصورة المبتذلة للعرب، قد صارت أكثر حدوثا. كما أن القتل قد زحف في أفلام هذه الفترة إلى المركز الثاني، في حين أنه كان يحتل المركز السابع والعشرين قبل عشرين عاما. أما الخطف والسرقة والاستعباد، فقد ارتقت هي الأخرى إلى قمة القائمة، وظهرت مجموعة جديدة من أعمال العنف والإجرام للمرة الأولى،مثل التعذيب، والهجوم بالقنابل، وأعمال التمرد، والدعارة.
ثالثا: إن الأفلام التي تظهر العداوة للعرب بصورة واضحة في تزايد مستمر. ويتعلق الأمر هنا بأفلام تعالج الصراع العربي-الاسرائيلي، حيث يبدو فيها تحيز واضح للجانب الاسرائيلي، أو أفلام جنسية داعرة يقوم فيها العرب باختطاف نساء بيض (من أصل أوروبي)، ثم يغتصبوهن. وكما تقول هذه الدراسة، فقد ازداد العرض السلبي والمشوه للعرب في الأفلام الأمريكية.
٤- العرب كما يعرضهم التليفزيون الأمريكي
إن صورة العرب كما يعرضها التليفزيون ليست بأفضل من صورتهم في السينما الأمريكية. فإذا تخيل المرء أن معظم الأمريكيين لم يسبق لهم أن تعرفوا عن قرب على شخص عربي أصيل من قبل، ولكنهم يقضون سدس ساعات يقظتهم أمام شاشة التليفزيون، حيث تقع عيونهم على صورة مشوهة وسلبية للعرب، مرة واحدة كل أسبوعين تقريبا، كما تقول دراسة قام بها جاك شاهيـن عن البرامج الـمــسائية من سنة ٥٧٩١، حتى سنة٠٨٩١. ومـن هنـا فإن تأثير التليفزيون على الأمريكيين كبـيـــر جدا.
إن العرب، كما يقدمهم التليفزيون الأمريكي، يمثلون نوعا من الفنون الشعبية الحديثة. فالشخصيات ليست فقط وهمية مصطنعة، بل إنه لا يقدمها ممثلون عرب. وتكاد صورة العرب التي يقدمها التليفزيون الأمريكيلمشاهديه تقـتصر على مواطنين أوغاد، أشرار، معتوهين، إرهابيين، وحكام ظلمة من الشرق، وشيوخ قبائل متخلفين، وشباب غني يجري وراء النساء، وقتلة، وتجار بنات.
وتظهر مثل هذه الصورة المشوهة للعرب في برامج تليفزيونية كثيرة مثل: "Vegas", "Fantasy Island", "Police Woman", "Hawaii Five -O-", "Canon", "Columbo". أما أسوأ المسلسلات في هذا الصدد، فهو مسلسل: "Charlie's Angels"، ومسلسل: "Rockford Files".
لقد قام جاك شاهين، أستاذ وسائل الإعلام في جامعة "Illinois" بتحليل دقيق لحادث جانبي في المسلسل التليفزيوني:"Tenspeed and Brown Shoe" ، واستخلص منه ست أساطير تتخلل الصورة التييقدمها التليفزيون الأمريكي عن العرب.
الأسطورة الأولى: سيقوم العرب بشراء أمريكا بأكملها. الأسطورة الثانية: إن اللغة العربية ليست لغة بالمعنى الحقيقي للكلمة، ولكنها عبارة عن رطانة وكلام غير مفهوم. الأسطورة الثالثة: إن كل العرب أغنياء بصورة فاحشة. الأسطورة الرابعة: إن العرب قوم أميون، وبدو متخلفون. الأسطورة الخامسة: إن العرب قوم يؤمنون بالخرافات. الأسطورة السادسة: إن العرب يمتلكون معظم الاحتياطي العالمي للبترول.
ويصل تشويه صورة العرب إلى أقصى درجاته في برامج الأطفال التي يقدمها التليفزيون الأمريكي. فهذه البرامج توحي للأطفال الأمريكيين بأن العرب قوم أشرار ومغفلين. ويبدو هذا واضحا في أفلام الرسوم المتحركة،وخاصة تلك التي تجذب ملايين الأطفال الأمريكيين إلى شاشة التليفزيون صباح أيام السبت من كل أسبوع. فلا يحدث مطلقا أن يظهر في هذه الأفلام بطل عربي يمكن أن يُعجب به الأطفال، ويتحمسوا له. وبدلا من ذلك فإنهم يُشاهدون كيف يقوم العرب الأشرار بمضايقة أبطالهم (أي الأبطال الذين يُعجب بهم الأطفال الأمريكيون)، الذين ينتصرون على العرب في نهاية الأمر. وغالبا ما يقوم العرب الوضعاء بأسر معبودي الأطفال في أفلام التليفزيون، ويهددون بقتلهم.
أما البرنامج المحبب للأطفال، والمسمى بـ: "Electric Company"، وهو برنامج يهدف أساسا إلى تعليم الأطفال القراءة، فإنه يستخدم في كل حادثة جانبية تقريبا شخصية عربية اسمها "Spellbinder".ويصاحب ظهور سبيلبيندر على الشاشة موسيقى شرق أوسطية، ذات إيقاع خاص، يؤكد مقاصده الخبيثة. إن سبيلبيندر هذا شخص مجرم، ودائما ما يخلط بين الحروف عند نطقها، وهو يسعى في الأرض فسادا.كما أن الأطفال الأمريكيين الذين يُشاهدون هذا البرنامج لا يحبون سبيلبيندر. وعندما يظهر "Letterman" البطل الأمريكي الجرئ، ذو الأخلاق الدمثة، يُسرع الأطفال إلى التصفيق له، ثم يقوم لترمان بعد ذلك بالقضاء على سبيلبيندر.
وحتى برنامج الأطفال المسمى بـ »شارع السمسم«، وهو برنامج يُدافع بصفة عامة عن المساواة بين مختلف الأجناس والجنسيات، فإنه يستخدم شخصية عربية ليشير بها إلى لفظ »خـطـر«.
وكما أثبت جاك شاهين في دراسته عن »أثر الوصف المبتذل المشوه للعرب على الأطفال الأمريكيين«، فإنه ليس مستغربا بعد كل هذا الذي أشرنا إليه أعلاه أن الأطفال الأمريكيين عندما يفكرون في لفظ »العرب«، فإنهميربطونه بتعبيرات ومعان معينة مثل: بترول، بنزين، شيوخ طماعين، إرهابيين، أوغاد، بدو، سيارات كاديلاك، جمال.
٥- الأصول الأوروبية
إن الصورة التي ترسمها كلمات أغاني البوب، ووسائل الإعلام الأمريكية للعرب هي صورة سلبية جدا. ولكن ماهي الدوافع التي تقف وراء ذلك؟ بادئ ذي بدء ليس هناك شك أن الصورة السلبية للعرب في أمريكا تعود بجذورها الأولى إلى أوروبا، حيث شاعت الصورة السلبية المبتذلة للعرب منذ انتشار الإسلام في جنوب أوروبا، ومنذ الحملات الصليبية التي قال الأوروبيون عنها إنها كانت ضد »الكفرة« المسلمين!
وفي القرن التاسع عشر نظرت أوروبا إلي العالم العربي والشرق الأوسط على أنهما من مناطق الاحتلال الاستعماري، واعتبرت شعوبهما خاضعة مستعبدة.
ويلاحظ المرء أن هذه الصورة النمطية السلبية للعرب مترسبة في أوروبا في الكثير من الروايات، والمسرحيات، وقصائد الشعر، والتقارير السياحية. ومن هنا فإن تحيز أمريكا ضد العرب، في شكله العام، يعتبر جزءا من تراثها الأوروبي.
بيد أن هذه الصورة السلبية المبتذلة للعرب في أمريكا لها علاوة على ذلك جذورها الأمريكية، ويرتبط الأمر هنا في المقام الأول بالاتجاه الخاص للهجرة العربية إلى أمريكا. فالعرب الأوائل الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة في مطلع هذا القرن كانوا في معظمهم لبنانيين فقراء، أو سوريين مسيحيين. وقد باعد بينهم وبين الشعب الأمريكي اللغة، والأسماء، والثقافة، والطقوس الدينية، وطبيعة المجتمعات غير الصناعية التي هاجروا منها.
وعلى العكس من معظم الجاليات الأجنبية الأخرى في الولايات المتحدة، لم يستطع المهاجرون العرب أن يفرضوا إرادتهم، ويثبتوا وجودهم كجالية متحدة ومنظمة. إن الأمريكيين العرب - الذين يعتبرون أقلية من ناحية العدد (حيث كان عددهم سنة ٠٢٩١ حوالي ٠٥٢ ألف نسمة فقط)، وبدون تاريخ عريق في مجال المساهمة في صنع القرار السياسي، ومن الناحية الاقتصادية يتركزون في الطبقات الاجتماعية السفلى، ويتجه اهتمامهم الأول نحو الأسرة والأقارب - لم يتمكنوا حتى عهد قريب من تنظيم أنفسهم، وظلوا بعيدين جدا عن الحياة السياسية.
٦- غياب اللوبي العربي
لهذه الأسباب - وبعكس أصحاب الجنسيات الأخرى - لم يستطع المهاجرون العرب في أمريكا الدفاع عن أنفسهم سياسيا، أو إعلاميا. بل إنه كان هناك ميل بين العرب إلى الاستعداد عن التخلي عن خاصيتهم اللغوية،والعرقية، والثقافية، والدينية، في سبيل الاندماج في الحياة الأمريكية. ولم يكن هناك إلا طائفة قليلة منهم كانت على استعداد أن تعترض على القذف الموجه ضد العرب في وسائل الإعلام الأمريكية.
وهكذا ظلت الأحكام المتحيزة المعادية للعرب كما هي، ولم يتم تصحيحها. ولم يجد الأمريكيون الفرصة المناسبة لاستخلاص الحقيقة عن العرب الحقيقيين، هذا على الرغم من وجود المهاجرين العرب بين أظهرهم. وبذلك ظل العرب غرباء على الأمريكيين، وهذا شرط أساسي لتكوين الأحكام المسبقة المتحيزة.
فالعربي في تصور الأمريكي هو »الشخص الآخر (= الغريب)« المهتم بانتهاك المحرمات، والتعدي على القيم. وهذا تصور لا يختلف كثيرا عن الصورة التقليدية المعادية لليهود في أوروبا.
والواقع أن الأمثلة المشابهة للاتجاه المعادي للسامية في أوروبا واضحة جدا، فعندما يتم تصوير العربي على أنه مصدر خطر، وإرهابي، وشخص مخيف، فهذا يعني أنه يشذ عن المعايير الغربية. ولذلك فإن المرء يقابله بريبة وخوف.
لقد كتب ادوارد سعيد - أستاذ الأدب في جامعة كولومبيا، الفلسطيني الأصل - في هذا السياق قائلا: »إن الصورة العنصرية للعرب لم تنتج عن شئ آخر غير تحويل اتجاه العداء الشائع للسامية من هدف يهودي إلى هدف عربي«.
ويمكننا أن نعبر عن هذا المعنى بعبارة أخرى، كما يلي: لقد تحول العرب إلى كبش فداء مريح لكل ما ابتليت به الولايات المتحدة الأمريكية اليوم من مصاعب، وتطورات مؤلمة. فقد أدت هزيمة الجيش الأمريكي في فيتنام،ثم التباعد العام الذي حدث بين الولايات المتحدة ودول العالم الثالث، إلى إحداث ضرر بالغ في فهم الولايات المتحدة الأمريكية لنفسها على أنها أقوى وأعظم دولة في العالم. كما أن الصدمة النفسية التي أحدثتها فضيحة وترجيت، والمصاعب الاقتصادية، والمنافسة من جانب حلفائها اليابانيين والأوروبيين، كل هذا أضر بثقة الولايات المتحدة الأمريكية في نفسها.
فقد بدأ العقد السابع من هذا القرن بالهزيمة في فيتنام، ثم ظهرت منظمة الأوبك، وانتهت حقبة السبعينات بدراما الرهائن في إيران. إن كل هذه الأزمات قد أحدثت إحباطا وغضبا لدى الأمريكيين، وتطلبت تفسيرايسُهل فهمه. وقد تم ايجاد هذا التفسير: فالمسؤولون عن المشاكل التي حلت بالولايات المتحدة هم العرب. وقد قامت وسائل الإعلام بتصويرهم على أنهم قوم من الفسقة، الطماعين، المفسدين لأخلاقيات المجتمع، المحتكرين للاقتصاد.
إن مثل خصائص الإفساد هذه كانت قد نُسبت من قبل إلى اليهود والزنوج، ولكن هذا لم يعد مقبولا اليوم. ولذلك فقد تحول العرب - كما لاحظ جيمس ج. زغبي عن حق - »كزنوج الصحراء« إلى كبش الفداء المريح لمثل هذه الخصائص. فالتحيز الأعمى ضد العرب جعل الأمريكيين يعتقدون أن العرب تجتمع فيهم أسوأ السمات الخاصة بكل من الزنوج واليهود. ذلك أن العرب ساميون، لا ينتمون إلى الجنس الأبيض، وعلى الرغم من أنهم مؤمنون بالله، إلا أنه يُنظر إليهم في أماكن كثيرة على أنهم »كفرة«. والهجوم على العرب وتوجيه الضربات لهم يعتبران عملية مربحة سياسيا، لأن ليس هناك من يُدافع عنهم على ساحة السياسة الأمريكية، ولكن يوجد منيدافع عن حقوق الزنوج واليهود.
ومن الطبيعي أن يكون لذلك أثره على السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة، حيث تقوم وسائل الإعلام الأمريكية بإنكار إنسانية العرب، ونفيها، ممهدة بذلك الطريق أمام تنفيذ مخططات السياسة الأمريكية المعادية للعرب:
١- تقوم الشرطة الفيدرالية السرية الأمريكية بمضايقة وإرعاب الأمريكيين العرب، بلا تحفظ.
٢- توجيه الإهانات إلى السياسيين الأمريكيين الذين يُقال عنهم إنهم قبلوا أموالا عربية من دول البترول.
٣- تسليم الفلسطينيين المقيمين في الولايات المتحدة الأمريكية لاسرائيل.
٤- القيام باستعدادات ومناورات عسكرية علنية لاحتلال الدول العربية، إذا دعت الضرورة لتأمين »بترولنا (= البترول الأمريكي)« هناك!
٥- التحيز الواضح إلى جانب اسرائيل في صراع الشرق الأوسط.
٦- التقليل من المعاناة الملموسة للفلسطينيين، وقضاياهم المصيرية، وتصويرها على أنها مشكلة سياسية بحتة.